المدارس الشرعية
الرئيسةعناالمذاهب الأربعةجدول الدروسالتسجيلأتصل بنا
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمدُ لله ربِّ العالمين, والصلاةُ والسلام الأتَمَّانِ الأكملانِ على أَشرفِ الأنبياءِ وإمامِ المرسَلين, سيدِنا ونبيِّنا وقدوتِنا محمدٍ قائدِ الغُرّ المُحجّلين, وعلى آلِه وأصحابِه الغُرِّ الميامين, وعلى تابعيه ومُقتفِي أثَرِه إلى يومِ الدِّين, واجعلنا اللهم منهم وفيهم ومعهم يا رب العالمين, أما بعد,,,
تقفزُ التَّساؤلاتُ من حينٍ لآخَر عن حقيقةِ المذاهب الفقهية وأسبابِ ظُهورِها وكيفيةِ التعاملِ معها, فلماذا ظهرَت هذه المذاهبُ؟ وما الأصولُ التي انطلقَت منها؟ ولماذا نتَّبِعها؟ ولماذا لا نتَّبِع الكتابَ والسُّنة؟ وهل فرقَت هذه المذاهبُ الفقهيةُ دينَ الإسلامِ إلى أربعةِ أحزاب؟ ولماذا لا يتِمُّ توحيدُ المسلمين في مذهبٍ فقهي واحد؟ وما صفاتُ أولئك العلماءِ الذين تُقلِّدُهم الأُمَّة منذ قرون؟ وكيف يتعامل بعضُ أصحابِ هذه المذاهب مع بعض؟ وغير ذلك من التساؤلاتِ الجديرةِ بالتوقف والتأمّل .

ما حقيقة المذاهب الفقهية؟

المذاهبُ الفقهيةُ هي خُلاصةُ اجتهاداتِ وفَهْمِ العلماء الرَّاسخين في علومِ الشريعة, وهذا الفهمُ مِمّا مدحه الشرعُ إذا صدر من أهلِه, فقد روى البخاري أن أبا جُحيفةَ سأل سيدَنا عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنه : هل عندكم شيءٌ من الوحي إلا ما في كتابِ الله؟ فقال رضي الله عنه : لا والذي فَلَق الحبَّةَ وبرأ النَّسْمة, ما أعلمُه إلا فَهْماً يُعطِيه الله رَجُلاً في القرآن,وما في هذه الصحيفةِ, فقال: وما في هذه الصحيفة؟ فقال رضي الله عنه : العَقْل وفكاكُ الأسير وأن لا يُقتَلَ مسلمٌ بِكَافِر, فقد عَدَّ سيدُنا عليٌ رضي الله عنه فَهْمَ العلماءِ لنصوصِ الشريعةِ من الدِّين, قال ابنُ حجر في الفتح في بابِ كِتابةِ العِلم شارحاً الحديث: إن أَعطى اللهُ رَجلاً فَهْماً في كتابِه فهو يَقدِر على الاستنباط, فتَحصُلُ عنده الزيادةُ بذلك الاعتبار, وقال في بابِ العاقلة: والمرادُ ما يُفهَم من فحوى لفظِ القرآن ويُستَدَلُّ به من باطنِ معانيه.
ولا يَعتبِر الشرعُ كلَّ اجتهادٍ ممدوحاً, فإذا صدرَ الاجتهادُ مِن أهلِه امتدحَه الشرعُ, ورتَّب عليه أجراً واحداً, فإن وافقَ الرأيُ الصوابَ عند الله رتَّب عليه الشرعُ أجراً ثانياً, يقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان وغيرهما -: "إذا حَكم الحاكمُ فاجتهدَ فأصابَ فله أجْران, وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجرٌ", أما إذا صدر الاجتهادُ من غيرِ أهلٍ له فلا أَجْر له على ذلك الاجتهادِ, حتى وإِنْ وافقَ الصوابَ؛ لأنَّ إِصابتَه للحق أتَتْ اتِّفاقاً, وليس عن حُسنِ نظرٍ ودقةِ اجتهاد, بل هو آثمٌ؛ لتعدِّيه على الشرعِ بغيرِ وجهِ حق.
قال النووي في شرح مسلم: قال العلماءُ: أَجْمَعَ المسلمون على أنَّ هذا الحديثَ في حاكمٍ عالمٍ أَهْلٍ للحُكم, فأمَّا من ليس بأهلٍ للحكمِ فلا يَحِلُّ له الحكم، فإن حكم فلا أجرَ له، بل هو آثمٌ، ولا يَنفُذ حكمُه, سواء وافقَ الحقَّ أم لا؛ لأنَّ إصابتَه اتَّفاقيةٌ, ليست صادرةً عن أصلٍ شرعيٍّ، فهو عاصٍ في جميعِ أحكامِه، سواء وافق الصَّوابَ أم لا، وهي مردودةٌ كُلُّها، ولا يُعذَر في شيءٍ من ذلك, وقد جاء في الحديثِ الذي رواه أبو داود وابن ماجه: "القُضاةُ ثلاثةٌ: قاضٍ في الجنة، واثنانِ في النار، قاضٍ عرف الحقَّ فقضى به، فهو في الجنةِ، وقاضٍ عرف الحقَّ فقضى بخلافِه، فهو في النارِ، وقاضٍ قضى على جَهْلٍ فهو في النارِ.
ومن المعلومِ أنَّ أفهامَ الناسِ تَختلِفُ من شخصٍ لآخرَ, فمنهم ثاقبُ النَّظرِ دقيقُ الفَهْمِ عميقُ الفِكر, ومنهم ضعيفُ النظر سقيمُ الفَهم سطحيُّ التفكير, وقد قررَ الله هذا الاختلافَ في العقولِ بقولِه سبحانه: "وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ, وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ" (النساء/83), أي يستخرجونَه من معادنِه؛ لصحةِ عقولِهم وحُسنِ نظرِهم, والاستنباطُ هو الاجتهادُ في استخراجِ الحُكم من النصوصِ الشرعية.
ولهذا فإنَّ الأمةَ الإسلاميةَ المعصومةَ في مجموعِها لم تُسْلِم قيادَها لكل مُدَّعٍ للاجتهاد, بل أذعنَت وسلَّمَت لأهلِ الرُّسوخِ في العلم, ومنهم الأئمةُ الأربعةُ المشهورون: أبو حنيفةَ النُّعمانُ بن ثابت ومالكُ بن أنس ومحمدُ بن إدريس الشافعي وأحمدُ بن حنبل رحمهم الله جميعا, ولم تَقتصِر مَلَكَةُ الاجتهادِ على هؤلاءِ الأربعة, بل وصل إلى رُتبةِ الاجتهادِ المُطلَق في الدينِ أئِمَّةٌ كُثُر, فمنهم من الصحابةِ أئمةُ الفتوى كالخلفاءِ الأربعةِ وعبدِالله بن مسعود والعبادلةِ الأربعةِ وزيدِ بن ثابت ومعاذِ بن جبل وأُبَيِّ بن كعب وعائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنهم , ومن التابعين سالمُ بن عبدالله وعطاءُ بن أبي رباح والحسنُ البصري ومحمدُ بن سيرين والشعبيُّ وطاووسُ بن كيسان ومحمدُ الباقرُ وإبراهيمُ النخعي وفقهاءُ المدينةِ السبعة, وممن بعدَهم جعفرُ الصادق والليثُ بن سعد وسفيانُ بن سعيد الثوري والأوزاعيُّ وأبو ثور والإمامُ البخاري وابنُ جرير الطبري وغيرُهم, رحمهم الله جميعا, ولكنَّ كثيراً من فتاوَى أولئك الأئمةِ لم يَتَهَيّأْ لها من يُدوِّنُها, إما لعَدمِ وجودِ التلاميذِ الفُقهاءِ الذين ينصُرون المذهبَ ويُدوِّنُونه ويَنشُرونه, أو لعَدمِ وجودِ من يتمذهبُ به من ذَوِي الجاه والسلطان, أو لطبيعةِ المذهب المتشدِّدَة, أو لغيرِ ذلك من الأسباب, فضاعت هذه الثروةُ الاجتهاديةُ العظيمة, وقَضَت عليها عادياتُ الزمن, وحفظ الله مذاهبَ الأئمةِ الأربعة, فاتَّبعتْهم الأُمَّة الإسلاميةُ المعصومةُ في مجموعِها منذ قرونٍ إلى يومِنا هذا.

لماذا اختلف الفقهاء؟

لم ينشأْ اختلافُ الفقهاءِ رحمهم الله بسببِ الهوى أو اتِّباعِ حُظوظِ النَّفْس أو الرغبةِ في المخالفةِ من أجل الظُّهُور, بل كان لاختلافِهم أسبابٌ كثيرةٌ, وسيأتي الحديثُ عنها في إحدى المحاضراتِ القادمة.

النظرة السديدة للخلاف الفقهي

إنَّ من يفقه حقيقةَ خِلافِ المذاهبِ الفقهيةِ الأربعةِ وأسبَابه المتنوعةَ وطبيعةَ النصوصِ الشرعية يدرك تماماً أن خلافَ العلماءِ في الفقهِ أمرٌ سائغٌ تقتضيه طبيعةُ النصوصِ الشرعية واختلافُ المداركِ العقلية, كما أنَّ للهِ سبحانه في ذلك حكمةً بالغةً, "منها الرحمةُ بعبادِه وتوسيعُ مجالِ استنباطِ الأحكامِ من النصوص, ثم هي بعد ذلك نِعمةٌ وثروةٌ فقهيةٌ تشريعيةٌ تجعل الأمةَ الإسلاميةَ في سَعةٍ مِن أمرِ دينِها وشريعتِها, فلا تنحصرُ في تطبيقٍ شرعيٍّ واحدٍ حصراً لا مناصَ لها منه إلى غيرِه, بل إذا ضاق بالأمة مذهبُ أحدِ الأئمةِ الفقهاء في وقتٍ ما أو في أمرٍ ما وجدت في المذهبِ الآخرِ سَعةً ورِفقاً ويُسرا, سواء أكان ذلك في شئونِ العِبادةِ أم في المعاملاتِ وشئونِ الأسرةِ والقضاءِ والجناياتِ على ضَوْءِ الأدلةِ الشرعية."(1)
وقال الخليفةُ الراشدُ عمرُ بن عبدالعزيز: ما أُحِبُّ أنَّ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لم يختلِفوا؛ لأنه لو كان قولاً واحداً كان الناسُ في ضِيق, وإنهم أئمةٌ يُقتدَى بهم, فلو أخذ رَجلٌ بقولِ أحدِهم كان في سعة", وقال التابعيُّ الفقيهُ القاسِمُ بنُ محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : لقد نفع اللهُ باختلافِ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالِهم, لا يعملُ العاملُ بعملِ رجلٍ منهم إلا رأى أنه في سَعةٍ, ورأى أن خيراً منه قد عمِله.
ولذلك فإن هذه المذاهبَ الفقهيةَ هي خلاصةُ اجتهاداتِ وفَهمِ العلماءِ الراسخين في علومِ الشريعة, فمذهبُ أبي حنيفةَ هو فَهْمُ أبي حنيفة للكتابِ والسُّنة, ويقال مثلُ ذلك في بقيةِ الأئمة, ولم يدَّعِ أحدٌ منهم أنَّ فهمَه هو الفهمُ الذي لا يجوزُ سِواه, بل قال الإمامُ أبو حنيفة: قولُنا هذا رأيٌ, وهو أحسنُ ما قدَرنا عليه, فمن جاءنا بأحسنَ مِن قولِنا فهو أولى بالصوابِ منَّا, وقال الإمام الشافعيُّ: رأيي صوابٌ يحتملُ الخطأَ, ورأيُ غيري خطأٌ يحتملُ الصوابَ.
ثم هاهنا مسألةٌ مهمةٌ جداً, وهي أنَّ المذهبَ الفقهيَّ – وإِنْ نُسِب إلى إمامٍ معيَّن - فهو في الحقيقةِ خلاصةُ اجتهاداتٍ متتابعةٍ من مئاتٍ من العلماء, يَجمعون بين علومِ القرآنِ والسُّنةِ والفِقهِ وأصولِه واللغةِ العربية, ساروا على منهجِ إِمامِهم في الاستنباطِ, والتزموا بالكثيرِ من اجتهاداتِه, وخالفوه في بعضِها؛ نظراً لضَعفِ دليلِ إِمامِهم, أو لمخالَفتِه منهجَه الذي سار عليه, وأضافوا للمذهبِ الكثيرَ من المسائلِ المُخرَّجَةِ على منهجِه, وما زالوا يُهّذِّبون ويُضُيفون ويستدِلُّون, حتى بنَوا بِناءً شامخاً, كان الكثيرُ من قواعدِه وعُمُدِه ومسائلِه لإمامِ المذهبِ, أما الكمُّ الكبيرُ من المسائلِ والاجتهاداتِ فكانت إضافاتٍ لهم وِفقَ قواعدِ إِمامِهم.

ألا يمكن توحيد المذاهب الأربعة في مذهب واحد؟

بعد أن اتَّضح لديك فيما سبق الأسبابُ القويةُ للخلافِ الفقهي علمْتَ أنه لا يُمكِن حسمُ هذا الخلافِ في مذهبٍ واحد, بل إنَّ السَّعيَ فيه مخالِفٌ لإرادةِ الله عز وجل في تشريعِه, فقد شاء الله أن يجعلَ كثيراً من نصوصِ كتابِه ذاتَ دَلالاتٍ ظنيةٍ, ثم فارَقَ بين مداركِ العقولِ البشريةِ, وهو مع ذلك مخالِفٌ لرسولِه صلى الله عليه وسلم ولصحابتِه الكِرامِ رضي الله عنهم وللسَّلفِ الصالح؛ لأنَّ الخلافَ وقع في محضَرِ الرسول صلى الله عليه وسلم وأقرَّه, واتسعَ الخلافُ الفقهيُّ في عهدِ الصحابةِ رضي الله عنهم والقرونِ الفاضِلَة, وهم أحرصُ الناسِ على الشريعةِ, ولو كان توحيدُ الخلافِ ممكِناً لسبقُونا إليه, بل هو مخالِفٌ للعقلِ أيضا؛ لأن حسمَ الخلافِ لا يَتحققُ إلا بنصوصٍ قطعيةِ الثبوت والدَلالةِ معا, مما لا يجعلُ للاجتهادِ في النصِّ سبيلاً, مما يعنِي تساويَ العقولِ وإِلغاءَ تفاوُتِها واشتراكَ جميعِ الناسِ في فَهمِ كتابِ الله على درجةٍ واحدة.
وهذه الحقيقةُ – أعني استحالةَ توحيدِ الناس في مذهبٍ فقهيٍّ واحدٍ – أدركها الراسخون في العِلم, فهذا الخليفةُ الراشدُ عمرُ بن عبدالعزيز يعزِمُ على أن يجعلَ أحكامَ الناس حُكماً واحدا, ولكنَّه يَعدِل عن قرارِه, ويقول: إنه قد كان في كلِّ مِصرٍ من أمصارِ المسلمين وجُنْدٍ من أجنادِه ناسٌ من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم , وكانت فيهم قُضاةٌ قضَوا بأقضيةٍ أجازها أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورضَوا بها, وأمضاها أهلُ المِصر كالصُّلحِ بينهم, فَهُم على ما كانوا عليه من ذلك, أما موقِفُ الإمامِ مالكٍ في رفضِه حَمْلَ الناسِ على مذهبِه بأمرٍ من الخليفةِ أبي جعفر المنصور فأمرٌ مشهورٌ, وكان مما قال له: يا أميرَ المؤمنين لا تفعلْ هذا, فإن الناسَ قد سبقت لهم أقاويلُ, وسمعوا أحاديثَ, وروَوا رواياتٍ, وأخذ كلُّ قومٍ بما سبق إليهم وعمِلوا به ودانُوا به من اختلافِ الناسِ وغيرِهم, وإِنَّ رَدَّهم عما اعتقدوه شديدٌ, فَدَعِ الناسَ وما هم عليه, وما اختارَ كلُّ أهلِ بلَدٍ منهم لأنفسِهم, فقال المنصورُ: لعَمْرِي لو طاوعتَنِي على ذلك لأمرْتُ به, ويبدو أنَّ قِصةَ الإمامِ مالكٍ تكررت مع المهديِّ والرشيدِ, وفي كلِّها يأبى حَمْلَ الناسِ على مذهبِه, فأين فِقهُ مالكٍ اليوم؟!.
ولذلك فإنَّه بدلاً من السعيِ الفاشلِ في توحيدِ المسلمين على مذهبٍ فقهي واحدٍ فإن الصوابَ أن يَتعوَّدَ المجتمعُ على التعدُّديةِ الفقهيةِ وبثِّ روحِ فقهِ الائتلافِ في ظِلِّ الخلافِ, وأن يتعلمَ المجتمَعُ أدبَ الرأي, والمهم هو الانطلاقُ في الاجتهادِ المنضبِطِ من النقطةِ التي توقَّفَ عندها السابقون, وأن نُسهِمَ في تعميقِ النظرِ الفقهي خصوصا فيما يستجِدُّ من حوادثَ عصريةٍ, بحيث تكونُ خَُطواتُنا الفقهيةُ متوافِقةً مع الجديدِ من الحوادثِ, وأن نَهتمَّ بنوعيةِ الفقه ومتانتِه فَضْلاً عن الانشغالِ بمسائلِ الخلافِ الفقهي القديمِ, فضلاً عن تضييعِ الجُهدِ في محاولةٍ يائسةٍ في صياغةِ المجتمعِ في قالَبٍ فِقهيٍّ واحد.

ما شروط الاجتهاد في الدين؟

تُعدُّ مرتبةُ الاجتهادِ المطلَقِ مرتبةً عظيمةً في الدين, لم ينلْها إلا عددٌ قليلٌ من العلماء, والسببُ في ذلك أنَّ تلك المرتبةَ العظيمةَ تحتاج لبلوغِها شروطاً كثيرةً, قال الإمامُ الشافعي - فيما ذكره الخطيب في الفقيه والمتفقه -: لايَحِلُّ لأحدٍ أن يُفتيَ في دينِ الله إلا رجلاً عارفاً بكتابِ الله: بناسخِه ومنسوخِه وبمُحكمِه ومتشابِهه وتأويلِه وتنزيلِه ومكيِّه ومدنيِّه وما أُريدَ به وفيما أُنزِل, ثم يكونُ بعد ذلك بصيراً بحديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : بالناسخِ والمنسوخِ, ويعرفُ من الحديثِ ما عرف من القُرآن, ويكونُ بصيراً باللغةِ, بصيراً بالشِّعرِ, وبما يحتاجُ إليه للعِلمِ والقرآن, ويستعملُ مع هذا الإنصافَ وقِلةَ الكلام, ويكونُ بعد هذا مشرِفاً على اختلافِ فقهاءِ الأمصار, وتكونُ له قريحةٌ بعد هذا, فإن كان هكذا فله أن يَتكلَّمَ ويُفتِيَ في الحلالِ والحرام, وإن لم يكنْ هكذا فليس له أن يَتكلمَ في العلمِ ولا يُفتي.
ونَقلَ الإمامُ النوويُّ في المجموع عن الإمامِ أبي عمرو ابنِ الصلاح أنه قال: المُفتُون قِسمان: مستقِلٌّ وغيرٌه, فالمستقِلُّ شَرْطُه مع ما ذكرنا أن يكونَ قَيِّماً بمعرفةِ أدلةِ الأحكامِ الشرعيةِ من الكتابِ والسنةِ والإجماعِ والقياسِ وما التَحقَ بها على التفصيل, وقد فُصِّلَت في كتبِ الفقه فتيسَّرَت ولله الحمد, وأن يكونَ عالمِاً بما يُشترَطُ في الأدلةِ ووجوهِ دَلالتِها وبكيفيةِ اقتباسِ الأحكامِ منها, وهذا يُستفادُ من أصولِ الفقهِ, عارفاً من علومِ القرآن والحديثِ والناسخِ والمنسوخِ والنَّحوِ واللغةِ والتصريفِ واختلافِ العلماءِ واتفاقِهم بالقَدْرِ الذي يَتمكَّنُ معه من الوفاءِ بشروطِ الأدلةِ والاقتباسِ منها, ذا دُرْبةٍ وارتياضٍ في استعمالِ ذلك, عالماً بالفقه ضابطاً لأمهاتِ مسائلِه وتفاريعِه, فمن جَمَع هذه الأوصافَ فهو المفتي المطلَقُ المستقِلُّ الذي يتأدَّى به فرضُ الكفاية, وهو المجتهِد المطلَقُ المستقِلُّ لأنه يَستقِلُّ بالأدلةِ بغيرِ تقليدٍ وتقيُّدٍ بمذهبِ أحد . . . ثم قال النووي: ومِنْ دهرٍ عُدِمَ المفتي المستقِلُّ, وصارت الفتوى إلى المنتسبين إلى أئمةِ المذاهبِ المتبوعة", وقال الذهبيُّ في السير– بعد ذِكرِ عددٍ من أئمةِ الفُقهاءِ -: ولم يَبقَ اليوم إلا هذه المذاهبُ الأربعةُ, وقَلَّ من ينهضُ بمعرفتِها كما ينبغِي، فضْلاً عن أن يكونَ مجتهِداً.
ولِكَي لا يَظُنَّ أحدٌ أنَّ انعدامَ المُفتي المستقِلِّ مجرَّدُ ادعاءٍ لا دليلَ عليه, وأنه تنطُّعٌ لا مُبرِّرَ له, يكفي أن أَسوقَ ما ذكره ابنُ القيِّم في إعلام الموقعين أن رجلاً سأل الإمامَ أحمد: إذا حفِظ الرجلُ مائةَ ألفِ حديثٍ يكونُ فقيهاً؟ فقال: لا, قال: فمِائَتَيْ ألفٍ؟ قال: لا, قال: فثلاثَمِائةِ ألفٍ؟ قال: لا, قال: فأربعَمِائةِ ألفٍ؟ فقال الإمامً بيدِه هكذا وحرَّك يدَه, وذكر الذهبيُّ في السير عن عبدِالله بنِ الإمامِ أحمد أنَّ أبا زُرْعَةَ قال له: أبوك يحفظُ ألفَ ألفِ حديث, فقيل له: وما يُدريك؟ قال: ذاكرْتُه، فأخذْتُ عليه الأبوابَ, ثم قال الذهبي: فهذه حِكايةٌ صحيحةٌ في سَعَةِ عِلمِ أبي عبدِالله، وكانوا يعُدُّون في ذلك المكرَّرَ والأثرَ وفتوى التابعي وما فُسِّر ونحوَ ذلك, وإلا فالْمُتُون المرفوعةُ القويةُ لا تبلغُ عُشُرَ مِعشارِ ذلك, ونقل الذهبي عن الإمامِ أحمد أنه قال: نحن كتبْنَا الحديثَ من ستةِ وجوهٍ وسبعة, لم نَضبِطْه، فكيف يَضبِطُه مَن كَتَبَه مِن وجهٍ واحدٍ؟!

ما ذا يجب على المسلم إذا لم يصل لتلك المرتبة العليا؟

فإذا لم يَصِل المسلِمُ إلى تلك المرتبةِ العليا من الفقهِ في الدِّين فقد وَجَب عليه أن يَسأَلَ عالمِاً متمكِّناً في الدِّين, جامِعاً بين الروايةِ والدِّرايةِ, ولا يجوز لمن لم يَصِل لهذه الدرجةِ أن يُفتيَ أو يُستفتَى في الدِّين على سبيلِ الاستقلال, وقد كان السَّلفُ يَعُدُّون من المصائبِ في الدِّين أن يُفتِيَ من لا عِلمَ عنده, فقد دخل رجلٌ على ربيعةَ بنِ أبي عبدِالرحمن – شيخِ الإمامِ مالك -, فوجده يبكي, فقال له: ما يُبكيك؟ أَدَخَلَت عليك مُصيبةٌ؟ فقال: لا, ولكن استُفتِيَ من لا علمَ له, وظهر في الإسلامِ أمرٌ عظيمٌ, وقال ربيعةُ ذاتَ مرَّة: لَبَعضُ من يُفتِي ها هُنا أَحَقُّ بالسِّجنِ من السُّرَّاق.
فإذا فُقِد من هو في تلك الصفةِ العليا من الفقهِ في الدِّين فقد وَجَب على المسلِمِ أن يُقَلِّدَ أولئك العلماءَ الذِين دوَّنوا فِقهَهم وعِلمَهم, وتَوارَد على تهذيبِه وتذهيبِه أصحابُهم وتلاميذُهم, ولا يَلزَم من ذلك تقليدُ إِمامٍ بعينِه طِيلةَ حياتِه, بل يجوزُ التزامُ مذهبٍ معيَّنٍ, ويجوز عدمُ التزامِه, ويجوز التَّنقُّلُ لغيرِ غرَضِ تَتَبُّعِ الرَّخص, فلا يجبُ الالتزامُ ولا يجبُ التنقُّلُ, بل كِلاهما جائزٌ.

والدليلُ على وجوبِ سؤالِ العلماءِ عند عَدمِ العِلمِ قولُه تعالى: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل/43 والأنبياء/7), قال القُرطُبي: فَرْضُ العاميِّ الذي لا يَشتغِل باستنباطِ الأحكامِ من أصولِها؛ لِعَدمِ أهليَّتِه فيما لا يَعلمُه من أمرِ دينِه, ويَحتاجُ إليه, أن يقصِدَ أعْلمَ مَن في زمانِه وبلدِه, فيسألَه عن نازلتِه, فيَمتَثِلَ فيها فتواه؛ لقولِه تعالى: "فاسْأَلوا أهلَ الذِّكرِ إن كنتم لا تعلمون"، وعليه الاجتهادُ في أَعْلمِ أهلِ وقتِه بالبحثِ عنه، حتى يقعَ عليه الاتفاقُ من الأكثرِ من الناس, وعلى العالِم أيضا فَرضٌ أن يُقلِّد عالِماً مثلَه في نازلةٍ خَفِيَ عليه فيها وجهُ الدليلِ والنَّظرِ، وأراد أن يُجدِّدَ الفِكر فيها والنَّظر, حتى يقفَ على المطلوبِ، فَضَاق الوقتُ عن ذلك، وخاف على العبادةِ أن تَفُوت، أو على الحُكمِ أن يَذهَب، سواء كان ذلك المجتهِدُ الآخَرُ صحابيّاً أو غيرَه، وإليه ذهب القاضي أبو بكر وجماعةٌ من المحقِّقِين.‏
ومن الأدلةِ كذلك قولُه تعالى: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة/122), قال القرطبي: هذه الآيةُ أصلٌ في وجوبِ طلبِ العِلم؛ لأنَّ المعنى: وما كان المؤمنون لينفِروا كافَّةً والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مقيمٌ لا ينفِرُ, فيَترُكوه وحدَه, "فلولا نَفَر" بعد ما علموا أنَّ النفيرَ لا يَسَعُ جميعَهم "من كلِّ فِرقةٍ منهم طائفةٌ", وتبقى بقيَّتُها مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ليَتحمَّلوا عنه الدِّينَ ويتفقَّهوا, فإذا رجع النَّافِرون إليهم أخبروهم بما سمِعوا وعلِموه, وفى هذا إيجابُ التَّفقُّهِ في الكتابِ والسنةِ، وأنه على الكفايةِ دون الأعيانِ, ويدلُّ عليه أيضا قولُه تعالى: "فاسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كنتم لا تعلمون", فدخل في هذا من لا يَعلَمُ الكتابَ والسنن, وقال ابنُ كثير: وقد يقال: إنَّ هذا بيانٌ لمرادِه تعالى من نفيرِ الأَحياءِ كلِّها وشرذِمةٍ من كل قبيلةٍ إن لم يخرُجوا كلُّهم؛ ليتفقَّهَ الخارجون مع الرسولِ بما يَنزِل من الوحيِ عليه, ويُنذِروا قومَهم إذا رجَعوا إليهم بما كان من أمرِ العدوِّ, فيجتمعَ لهم الأمران في هذا النَّفيرِ, وبعدَه صلى الله عليه وسلم تكون الطائفةُ النافرةُ من الحيِّ إما للتفقُّهِ وإما للجِهادِ, فإنه فَرْضُ كِفايةٍ على الأَحياء.
ومن الأدلةِ كذلك قولُه تعالى: "وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً" (الفرقان/74), أي قُدوةً وأَئِمَّةً يُقتدَى بنا في الخير, ولا يَتأتَّى ذلك إلا أَنْ يكون الداعي مُتَّقياً قدوةً, وهذه الآية عامَّةٌ في الاقتداءِ بالعلماءِ والصالحين.
وقد دلَّ واقِعُ الصحابةِ رضي الله عنهم أنهم كانوا في مراتِبَ متفاوِتَةٍ في فِقهِ الدِّين, ولم يكونوا كلُّهم أهلَ فُتيا, بل كان فيهم المجتهِدُ في استخراجِ الأحكامِ من النصوصِ, وفيهم من يَسألُهم عن الأحكامِ ويَأخذُها عنهم, وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُرسلُ الفقيهَ من الصحابةِ إلى القُرى والمُدنِ التي دخلَت في الإسلامِ حديثاً أو بلغَتْها أصولُ الدعوةِ الإسلاميةِ من توحيدِ الله ونَبذِ الشِّركِ, فيَتَّبِعونه فيما يُفتِيهم به من أحكامِ الحلالِ والحرام, وإذا توَقَّف أحدُهم عند حادثةٍ لا يَعلمُ فيها نصّاً صريحاً اجتهدَ رأيَه, فيُقلِّدُه أهلُ تلك الناحيةِ, ثِقةً فيه وفي عِلمِه, وقد أيَّدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم معاذَ بنَ جبل رضي الله عنه - فيما رواه أحمد وأبو داود والترمذي - عندما أرسله إلى اليمنِ معلِّماً, فسألَه إن لم يَجِد في كتابِ الله ولا سنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم كيف يقضي, فقال معاذٌ: أَجْتهِدُ رأيي ولا آلُو, فضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صدرَه وقال: "الحمدُ للّه الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسولَ اللّه", قال الخطَّابي - كما في تحفة الأحوذي -: لم يُرِد به الرأيَ الذي يَسنَحُ له من قِبَلِ نفْسِه أو يَخطُر ببالِه على غيرِ أصلٍ من كتابٍ وسنةٍ، بل أرادَ رَدَّ القضيةِ إلى معنى الكتابِ والسنةِ من طريقِ القِياسِ.
وإذا تَمَكنَ أحدٌ من المسلمين من البحثِ في مسألةٍ معيَّنةٍ, فأحاط بأدلَّتِها وفَهِم مرامِيَها وجمعَ شَتاتَها, وتَمكنَ منها تمامَ التمكُّنِ فقد وجب عليه أن يعتمِدَ فِقهَه فيها, وأن لا يُقلِّدَ فيها مَن سَبَقَه, وقد اتفق العلماءُ على تَجَزُّؤِ الاجتهاد, بمعنى أنْ يَتمكنَ الفقيهُ من الاجتهادِ في مسألةٍ, فيجب عليه أن يجتهدَ رأيَه فيها بدون تقليد, ولا يَتمكنَ من ذلك في مسألةٍ أخرى, فيجب عليه التقليدُ فيها.
فإذا اتَّضح لدينا وجوبُ سؤالِ العلماء والأخذِ عنهم, فهل يجوُز التزامُ عالِمٍ واحدٍ بعينِه في مسائلِ الحلالِ والحرام؟ والجوابُ أنه قد ثبت بالدليلِ الواضحِ وجوبُ سؤالِ العلماء, ولم يأتِ دليلٌ بعد ذلك في وجوبِ التزامِ عالمٍ بعينِه, وكذلك لم يأتِ دليلٌ يُوجِبُ على السائلِ التنقلَ من عالِمٍ لآخرَ, وبناءً على ذلك فمن التزمَ عالِماً بعينِه لصَلاحِه وثِقتِه فيه فقد جاز له ذلك, ومن عدَّدَ العلماءَ الذين يسألُهم لصلاحِهم وثقتِه فيهم فقد جاز له ذلك أيضا, وقد دلَّت سُنةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وواقعُ الصحابةِ والتابعين على ما تقدم, فقد أرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرُّسلَ للقُرى والنَّواحِي, فكان الرسولُ مرجِعَ أهلِ ناحيتِه في أحكامِ الدِّين, ولو وجب التنقُّلُ في سؤالِ العُلماءِ لأرسلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رسولَين على الأقلِّ إلى كلِّ ناحية؛ حتى تكونَ مسئوليتُهم في الفُتيا مناصَفَةً بينهما, ولَأَمَر المسلمين في كلِّ ناحيةٍ أن يُعدِّدوا مُفتِيهِم.
وأما إِرسالُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعريَّ ومعاذَ بن جبل رضي الله عنهم إلى اليمنِ - كما رواه الشيخان وغيرهما -, فقد كان كُلُّ واحدٍ منهم على مِخلافٍ – أي إِقْليم -, وكان اليمنُ مِخلافَين, وأما إرسالُه صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب وخالدَ بنَ الوليد إلى نجران من أرضِ اليمن قُبيل حجة الوداع - كما عند أحمد والترمذي -, فقد أوصاهم أن يَجتمِعا إن حدَث قِتالٌ, وماعدا ذلك فقد جَعَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلَّ واحدٍ منهما على جَنَدٍ - أي على أرضٍ -.
وأَرسل عُمرُ بنُ الخطاب إلى الكوفةِ عبدَالله بن مسعود رضي الله عنهم معلِّماً, فملأها عِلماً وفِقهاً وقرآنا, ولما انتقل إليها أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه فرِح لكثرةِ فقهائِها, وقال: رحِم اللهُ ابنَ أُمِّ عَبْد, قد ملأَ هذه القريةَ عِلماً, وقد كان مُنادِي الخليفةِ الأَموِيِّ يُنادِي في موسِمِ الحج: لا يفتي الناسَ إلا عطاءُ بنُ أبي رَباح، فإن لم يكن عطاء فعبدُالله بنُ أبي نَجِيح, وكان منادِي الخليفةِ العباسي ينادي في موسِمِ الحج: لا يفتي الناسَ إلا مالكُ بنُ أنس وعبدُالعزيز بنُ أبي سلمة الماجِشُون, فهل هذا إلا تجويزٌ من أهلِ القرونِ الفاضلةِ لاتِّباعِ إمامٍ بعينِه!
وقال ابن القيِّم في إعلام الموقعين: والدِّين والفقهُ والعلم انتشر في الأمةِ عن أصحابِ ابنِ مسعود وأصحابِ زيدِ بن ثابت وأصحابِ عبدِالله بن عُمر وأصحابِ عبدِالله بن عباس, فعِلمُ الناس عامَّتُه عن أصحابِ هؤلاءِ الأربعة, فأما أهلُ المدينةِ فعِلمُهم عن أصحابِ زيدِ بن ثابت وعبدِالله بن عمر, وأما أهلُ مكة فعلمهم عن أصحاب عبدالله بن عباس, وأما أهلُ العراقِ فعِلمُهم عن أصحابِ عبدِالله بن مسعود رضي الله عنهم .

أصول المذاهب الأربعة

وقد اعتمَد الأئمةُ الأربعةُ وأتباعُهم عدداً من الأصولِ المتَّفَقِ عليها, وهي كتابُ الله عز وجل وسُنَّةُ رسولِه صلى الله عليه وسلم وإجماعُ المسلمين والقياسُ, واختلفوا في حيثياتِ الاستنباطِ منها, كما اعتمَدوا عدداً من الأصولِ المختلَفِ فيها, فمن أبرزِها عند الحنفيةِ الاستحسانُ, وعند المالكيةِ عملُ أهلِ المدينة والمصلحةُ المرسلة, وعند الشافعيةِ الاستصحابُ والاستقراءُ, وعند الحنابلةِ سدُّ الذرائِع, وقد أخذ الأئمةُ بأقوالِ الصحابةِ والعُرْفِ وشرعِ مَن قَبْلَنا, مع تفاوُتٍ بينهم في مدى الأخذِ بها.
وقد قال الإمامُ أبو حنيفة- مبيِّناً الأصولَ التي يَعتمِد عليها -: آخُذُ بكتابِ الله, فإن لم أجِدْ فبِسُنةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم , فإن لم أَجِد في كتابِ الله ولا سنةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أخَذْتُ بقولِ أصحابِه, آخُذُ بقولِ من شِئتُ منهم, وأَدَعُ من شِئتُ منهم, ولا أَخرُجُ من قولِهم إلى قولِ غيرِهم, فإذا انتهى - أو جاء - الأمرُ إلى إبراهيمَ – النخعي - والشعبيِّ وابنِ سيرين والحسنِ وعطاءٍ وسعيدِ بن المسيب - وعدَّد رجالاً - فقومٌ اجتهَدوا, فأَجتهِد كما اجتهَدوا, وقال: إذا جاء الحديثُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَخذْنا به, وإذا جاءنا عن الصحابةِ رضي الله عنهم تَخَيَّرْنا, وإذا جاءنا عن التابِعين زاحَمْناهم, وقال: كذِب – والله – وافترى علينا من يقول: إنَّنا نُقدِّم القياسَ على النَّصِّ, وهل يُحتاجُ بعد النَّصِّ إلى قِياسٍ؟!
وقال الإمامُ الشافعيُّ: العِلمُ طبقاتٌ شتَّى, الأُولى الكتابُ والسنةُ إذا ثبتَتْ, ثم الثانيةُ الإجماعُ فيما ليس فيه كتابٌ ولا سنةٌ, والثالثةُ أن يقولَ بعضُ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قولاً, ولا نعلَمُ له خِلافاً منهم, والرابعةُ اختلافُ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك, والخامسةُ القياسُ, ولا يُصارُ إلى شيءٍ غيرِ الكتابِ والسنةِ وهما موجودان, وإنما يُؤخَذُ العِلمُ من أعلَى.
وقال الإمامُ أحمد: إنما هو السُّنَّةُ والاتباعُ, وإنما القياسُ أن يَقِيسَ على أصلٍ, أما أَن تَجِيءَ إلى الأصلِ فتَهدِمُه ثم تقول: هذا قِياسٌ, فعلى أيِّ شيءٍ كان هذا القياسُ؟ وذكر ابنُ القيِّمِ في إعلام الموقعين خمسةَ أصولٍ بنَى الإمامُ أحمدُ مذهبَه عليها: أَوَّلُها نصوصُ الكتابِ والسنةِ, ثانيها فتوى الصحابة رضي الله عنهم إذا لم يُعلَم لها مُخالِفٌ, ثالثُها الانتقاءُ من أقوالِ الصحابةِ عند اختلافِهم ما يَقرُبُ من الكتابِ والسنةِ, فإن لم يَتبيَّن له قُربُ القولِ من النصِّ حَكَى الخلافَ بدون ترجيح, رابعُها الأخذُ بالمرسَلِ والضعيفِ إذا لم يُوجَد في المسألةِ غيرُه, وخامسُها وآخرُها القياسُ.

فيتَّضحُ مما تقدَّمَ أن المذاهبَ الأربعةَ تعتمِدُ الأدلةَ الشرعيةَ التي يدعو إليها كلُّ مَن يَنبِذُ التقليدَ ويدعو إلى الأخذِ من الكتابِ والسُّنةِ على طريقةِ السلفِ الصالحِ, فالمذاهبُ الأربعةُ مُجمِعةٌ على وجوبِ اعتمادِ كتابِ الله مَصدراً أساسياً للتشريعِ, ثم تأتي سنةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مؤكِّدةً ما ذكره القرآنُ, أو مُوضِّحةً ما أَجملَه, أو مضِيفةً حُكماً زائداً ترَكَه, ثم إنَّ أئمةَ المذاهبِ هم من كبارِ فقهاءِ السَّلفِ الصالح, فقد تُوفِّيَ أبو حنيفة سنة 150 هـ, ومالكٌ سنة 179 هـ, والشافعيُّ سنة 204 هـ, وأحمدُ سنة 241 هـ.
وأشهرُ من تَفَقَّه الإمامُ أبو حنيفةَ به حمَّادُ بنُ أبي سليمان, عن إبراهيمَ بنِ يزيدَ النَّخَعي وعامرِ بن شُراحيل الشعبي, عن علقمةَ بنِ قَيس النخعي والأسودِ بنِ يزيدَ النخعي وعَبَيدَةَ بن عمرو السَّلْماني والقاضي شُرَيح بنِ الحارثِ الكِندي ومسروقِ بن الأجدع, عن عبدِالله بن مسعود وعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهم .
وتَفقَّه الإمامُ مالكٌ بربيعةَ الرأيِ بنِ أبي عبدِالرحمن ويحيى بنِ سعيد الأنصاري ومحمدِ ابن شِهاب الزُّهْري, عن فقهاءِ المدينةِ السبعة, عن عبدِالله بن عُمر وأنسِ بن مالك وزيدِ بن ثابت وعائشةَ وغيرِهم من الصحابة رضي الله عنهم .
وتَفقَّه الإمامُ الشافعيُّ بمالكٍ (وتقدَّم سندُه), وتفقَّه بمحمدِ بنِ الحَسَن الشيباني, عن أبي حنيفةَ (وتقدَّم سندُه), وتفقَّه بمسلمِ بن خالد الزِّنْجِي المخزومي, عن عبدِالملك بن عبدِالعزيز بن جُريج, عن عطاءِ بنِ أبي رباح وعمرو بن دينار, عن عبدِالله بن عباس وعبدِالله بن عُمر وأنسِ بن مالك وجابرِ بن عبدِالله وغيرِهم من الصحابة رضي الله عنهم .
وتفقَّه الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل في بِدايتِه بالقاضي أبي يوسف, عن أبي حنيفةَ (وتقدم سندُه), ثم تفقَّه بالشافعي (وتقدم سنده), وتفقَّه بشُيوخِ الشافعي, كسفيانَ بنِ عيينة, عن عمرو بن دينار (وتقدَّم سندُه), وأخذ عن مِئاتٍ من المحدِّثين والفقهاءِ, وحسبُك أن تعلمَ أنه كان يحفظُ ألفَ ألفِ حديثٍ من المرفوعِ والموقوفِ والمقطوعِ, يرويها بأسانيدِها.
فإذا ثَبَت لديك ذلك عَلِمتَ أنَّ الادِّعاءَ بأنَّ "اتِّباعَ الدليلِ من الكتابِ والسُّنَّةِ أولى من اتباعِ المذهبِ الفقهي" قولٌ غيرُ صحيحٍ في الجُملةِ, فهذه المذاهبُ قامت على كتابِ الله وسنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم , وتَوارَد على تَهذيبِها وتذهيبِها أئمةُ التفسيرِ والحديثِ والفقهِ واللغةِ, وما مِن مذهبٍ مِنها إلا وقد اتَّبعه أَساطينُ العلماءِ في مُختلَف الفُنون, فقوَّموا اعوِجاجَه وسَدُّوا خَلَلَه وأصلحوا خَطأَه.

ما كيفية تعامل بعض أتباع المذاهب مع بعض؟

بعد أن أَدرَكنا فيما سبق معنى الخلافِ الفقهي, وأسبابَه التي اقتضَت وجودَه, وبيَّنَّا أنه لا يُمكِنُ توحيدُ المسلمين في مذهبٍ فقهيٍّ واحدٍ, فإنَّ ذلك يقتضِي أن يُحسِنَ أتباعُ هذه المذاهبِ الفقهيةِ التعاملَ فيما بينهم, وأن يتأدَّبوا بأدبِ الرَّأيِ, وأن يَبُثُّوا روحَ فقهِ الائتلافِ في ظِلِّ الخِلاف, وأن لا يَأطُروا الناسَ على مذهبٍ واحدٍ أَطْراً, وأن لا يَقصُروهم عليه قَصراً, فإنَّ التعدديةَ الفقهيةَ ثروةٌ عظيمةٌ للأمةِ الإسلاميةِ, تَغرِف منها طِيلةَ قرونٍ ولن تنضَبَ.
وقد أدرك أئمةُ المذاهبِ وكُبراءُ أصحابِهم والعقلاءُ من مقلِّدِيهم أهميةَ الأدبِ في التعاملِ مع أتباعِ المذاهبِ الأخرى, وقد كانوا في هذا الأدبِ مقتَدين بمَن سَبَقَهم, فقد لَقِيَ الخليفةُ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً, فقال: ما صَنعتَ؟ فقال: قَضَى عليٌّ وزيدٌ رضي الله عنهم بكذا, فقال عُمر: لو كُنتُ أنا لقضيتُ بكذا, فقال: فما يمنعُك والأمرُ إليك؟ قال: لو كُنتُ أَرُدُّك إلى كتابِ الله أو إلى سنةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لفعلتُ, ولكني أَرُدُّك إلى رأيي, والرأيُ مشتَرَكٌ, فسار الأئمةُ على هذا الفَهمِ, فهذا هو الإمامُ أحمدُ يتناظَر مع عليِّ بنِ المديني في مسألةٍ في الشهادةِ, وارتفعَت أصواتُهما, حتى خُشِي أن يَقَعَ بينهما جَفاءٌ, فلما أراد عليٌّ أن ينصرِفَ قام أحمدُ فأخذ برِكابِه, وتناظر الإمامُ الشافعيُّ مع تلميذِه يونُسَ بنِ عبدِالأعلى, فلما افترقا أخذ الشافعي بيدِه وقال: يا أبا موسى ألا يستقيمُ أن نكون إخواناً وإن لم نتفِق في مسألةٍ, واحتجم الخليفةُ هارونُ الرشيدُ, فأفتاه الإمامُ مالكٌ بعدمِ وجوبِ الوُضوءِ, فصلَّى وخلفَه القاضي أبو يوسُف, ومذهبُه نَقضُ الوضوءِ بالحِجامةِ وبخروجِ كلِّ دمٍ سائلٍ, فقيل لأبي يوسف: أَتُصلِّي خلفَه؟ فقال: سبحان الله, أميرُ المؤمنين, فإنَّ تَرْكَ الصلاةِ خلفَ الأئمةِ لمِثلِ ذلك من شعائرِ أهلِ البِدَع, ولما سُئل الإمامُ أحمدُ عن الصلاةِ خلف المحتجِمِ, ومذهبُه نقضُ الوُضوء بالحِجامة, قال: سبحان الله! ألا تُصلِّي خلفَ سعيدِ بن المسيِّب ومالكِ بن أنس.
ولعل من أكبرِ الشواهدِ على أدبِ العلماءِ في الخلافِ أنَّ كثيراً من كُتُبِ الفقهِ المذهبيِّ وأصولِه تَنُصُّ على جوازِ تقليدِ المذاهبِ الأخرى عند الحاجةِ دون تَتَبُّعٍ للرُّخَص, بل نصُّوا على استحبابِ الخروجِ من خلافِ مذاهبِ الفقهاء, ويحصُلُ ذلك بأن لا يرتَكِبَ إمامُ الصلاةِ – مَثَلاً – فِعلاً مبطِلاً على مذهبِ غيرِه, وإن لم يكُن مبطِلاً في مذهبِه, وقد نصُّوا على ذلك في القاعدةِ المشهورةِ "الخُروجُ من الخِلافِ مستحَبٌّ".
وعموما فإنه من العسيرِ جداًّ استقصاءُ قَصَصِ العلماءِ الدالةِ على نظرتِهم الإيجابيةِ للخلافِ الفقهي وتفهُّمِهم لطبيعتِه وأسبابِه, وقد لخَّص القاضي المجاهدُ أسدُ بنُ الفُرات اختلافَ المذاهبِ بقولِه: بلغَني أنَّ قوماً كانوا يتناظرون بالعراقِ في العِلمِ, فقال قائلٌ: مَن هؤلاءِ؟ فقيل: قومٌ يَقتسِمون ميراثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم , فَرَضِيَ الله عن تلك النفوسِ الكبيرةِ والعقولِ البصيرةِ والصدورِ السليمة.

مسالك خاطئة في تقليد المذهب الفقهي.

بعد أن علِمنا حقيقةَ المذهبِ الفِقهيِّ, وأنه محاولةٌ اجتهاديةٌ من العلماءِ الراسخين في العِلمِ لفَهمِ نصوصِ الشريعةِ واستخراجِ الأحكامِ منها, وأنَّ طريقتَهم في الاجتهادِ مبنيةٌ على أصولٍ صحيحةٍ, ولكنَّ نتائجَها محتمِلةٌ للصوابِ والخطأِ, أَمكَن أن نذكُر عدداً من الأخطاءِ الشائعةِ التي تتعلقُ بموضوعِ تقليدِ المذاهبِ الفقهيةِ, فمنها:
1. اعتقادُ وجوبِ التزامِ مذهبٍ بعينِه من المذاهبِ الأربعةِ, وهذا إيجابٌ بلا دليلٍ, والصحيحُ جوازُه لِمَن لم يَصِل إلى مرتبةِ الاجتهادِ في الدين, وحرمتُه لمن وَصَل لتلك المرتبةِ العليا, ويجبُ على المسلمِ إذا لم يَتيسَّر له دراسةُ مذهبٍٍ بعينِه أن يسألَ العلماءَ من أيِّ مذهبٍ حَسَب ما يتيسرُ له, وفي هذه الحالةِ فإنَّ مذهبَه مذهبُ مُفتِيه.
2. اعتقادُ وجوبِ الاجتهادِ في أحكامِ الحلالِ والحرامِ على عمومِ المسلمين, واعتقادُ حُرمةِ التزامِ مذهبٍ معيَّنٍ عليهم, والصحيحُ وجوبُ الاجتهادِ على من حققوا شروطَه, أما عمومُ المسلمين فسبيلُهم سؤالُ أهلِ الذِّكر, إذ في تكليفِهم بالاجتهادِ - وهم غيرُ مؤهَّلين له – فتحٌ لبابٍ واسعٍ من فوضى الإفتاءِ غيرِ المنضبطِ, وفيه تعطيلٌ لجوانبِ الحياةِ والمعيشةِ الأخرى.
3. اعتقادُ مقلِّدٍ لمذهبٍ ما بطلانَ المذاهبِ الأخرى وضلالَها, ويدخلُ في هذا البابِ اعتقادُ عَدَمِ صحةِ الصلاةِ خلف مقلِّديها, ومنه إقامةُ محاريبَ وجماعاتٍ متعددةٍ لكلِّ مذهبٍ في مسجدٍ واحد, والصحيحُ صحةُ المذاهبِ جميعِها في طريقةِ الاجتهادِ, وهم فيما بعد ذلك ما بين مُصيبٍ ومُخطِئٍ, ولذلك فإنَّه من الجائزِ أن يَنتَقِلَ مقلِّدُ مذهبٍ ما إلى تقليدِ مذهبٍ آخرَ.
4. الإساءةُ إلى المذاهبِ الفقهيةِ والتعريضُ بها والتحقيرُ من شأنِها أثناءَ تقريرِ الدروسِ أو الإجابةِ عن الفتاوَى, والصحيحُ وجوبُ مراعاةِ الأدبِ في عَرْضِ المذاهبِ الأخرى, واحترامُ أئمةِ المذاهبِ كافَّة, ولا يَعرِفُ الفضلَ لأهلِ الفضلِ إلا ذو الفضلِ.
5. بَقاءُ عالِمٍ مقلِّدٍ في الجملةِ لمذهبٍ فقهيِّ, ولكنَّه وَصَل في مسألةٍ أو مسائلَ لدرجةِ الاجتهادِ فيها بعد تحقيقِ شروطِه, بقاؤُه على تقليدِ إمامِه وقد ظَهَرَت له مرجوحِيَّةُ مذهبِه.
6. التشديدُ على العامةِ بإفتائِهم في مسألةٍ ما بمذهبٍ معيَّنٍ لا يستطيعون تطبيقَه لسببٍ وجيهٍ, كصُعوبتِه أو عَدَمِ واقِعِيَّتِه - لا تَتَبُّعاً للرُّخَص - مع وجاهةِ مذاهبَ أخرى في نفسِ المسألة.
7. التنقلُ من مذهبٍ لآخرَ بقصدِ التَّشهِّي واتِّباعِ الرُّخص, بمعنى أن يَسألَ العاميُّ عدداً من العلماءِ من مختلَفِ المذاهبِ, فيأخُذَ بالأسهلِ عليه, بحيث يكونُ هذا دَيدَنَه, والواجبُ في حالةِ تعدُّدِ العلماءِ استفتاءُ الأفقهِ ثم الأورع, أو استفتاءُ الأقربِ والأيسرِ ما دام أهلاً للإِفتاءِ.
8. اعتقادُ المقلِّدِ لمذهبٍ فقهيٍّ حرمةَ انتقالِه بالكُلِّيَّةِ إلى تقليدِ مذهبٍ فقهيٍّ آخرَ, والصحيحُ جوازُه لأدنى سببٍ, إلا لغَرَضِ تَتَبُّعِ الرُّخَص.
9. عدمُ استفادةِ فقهاءِ هذا العصرِ من المخزونِ الفقهيِّ القديمِ الذي وَرَّثه علماءُ المذاهبِ الأربعةِ وغيرُهم للاجتهادِ في المسائلِ المعاصِرةِ والنَّوازِل الحادثةِ.

 

حاشية


(1) النَّصُّ منقولٌ بتمامِه من قرارِ مجلسِ المَجْمَع الفقهي في دورتِه العاشرةِ المنعقدةِ بمكةَ المكرمةِ في الفترةِ 24-28/2/1408هـ.

 

جميع الحقوق محفوظة 1430 هـ